الرئيسية / أخبار / الرسم بالدماء والبنادق

الرسم بالدماء والبنادق



الرسم بالدماء والبنادق..
بقلم: الدكتور عماد خالد الحطبة

يحلو لبعض من يسمون أنفسهم معارضة سورية بالخارج ولداعميهم من قوى ليبرالية ومدعية لليسار في العالم العربي، لعب دور الحكيم والخروج علينا ببيانات ومخططات للخروج مما يسمونه الأزمة السورية.

جميع هذه المقترحات موجهة نحو الدولة السورية، من دون أن نسمع بأنهم توجهوا إلى حلفائهم من المعارضين غير الديمقراطيين- الإرهابيين، أو إلى من يدعمهم، بمقترحات مشابهة.

وفي سبيل إثبات “حكمتهم”، وعمق درايتهم بالأمور، تراهم يشنون حملاتهم ضد كل إنجاز للدولة السورية حتى لو اتفق مع ما طالبوا به في بياناتهم.

في درعا، مثلاً، يشن أولئك “المعارضون” حملة على الاتفاق الذي جنّب المحافظة والوطن إراقة الدماء، ويرون أن المصالحات وانتشار الجيش العربي السوري واستئناف الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل طبيعي، كل هذا لا يحقق شروط حلهم المنشود.

في بياناتهم السابقة قال هؤلاء: إن “مواصلة العمليات العسكرية استمرار لنهج النظام في اعتماد الحل الأمني والعسكري الذي يقود الأمور إلى طريق مسدود”. وفي بياناتهم اللاحقة أصبحت المصالحات “رضوخاً لشروط الأطراف الخارجية وأدواتها”. وهكذا أصبح حالنا مع هذه المعارضة ينطبق عليه المثل الشعبي “احترنا يا قرعة من وين نمشطك”.

إن حاولنا تفهم قلقهم من المعارك والمصالحات تحت الحجة الواهية “الحرص على حياة السوريين” فإن هذه المحاولة لن تستقيم إذا تابعنا مواقفهم من العمل السياسي والدبلوماسي الذي تبذله الدولة السورية في محاولات لتخفيف آثار الحصار الظالم الذي تفرضه الولايات المتحدة وأتباعها. فما إن لاحت بالأفق ملامح انفراج سوري- عربي كان التعاون الاقتصادي عنوانه الرئيسي، وبشكل خاص ملفا الكهرباء والنفط، اللذان يكتسبان أهمية قصوى في الشارع السوري، حتى هاج وماج المعارضون.

نسي أولئك المعارضون الشعب السوري الذي يتغنون بـ”الدفاع عن مصالحه”، وبدؤوا بحملة لتشويه كل إنجاز يتحقق.

إذا كانت ذاكرة المعارضين هشة فإننا نعيد إلى ذاكرتهم زيارة وزير الخارجية الأميركية كولن باول إلى دمشق عام 2003، يومها كان المطلب الرئيسي التوقف عن دعم المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية. رفضت سورية المطالب الأميركية وتحملت العواقب، لكن المقاومة اللبنانية انتصرت في عام 2006، واستطاعت المقاومة العراقية دحر الجيش الأميركي وهزيمة عصاباته الإرهابية، وما زالت المقاومة الفلسطينية تقارع العدو بكل الوسائل الممكنة.

أما موضوع السفيرة الأميركية في بيروت، فهو ليس سوى محاولة للتذاكي واستدرار تعاطف الجمهور المعادي لأميركا بطبيعته. عندما أصدرت الولايات المتحدة ما يسمى ” قانون قيصر”، ورغم أنه استهدف سورية، إلا أن سيف العقوبات كان مسلطاً على رقاب الدول التي تقيم علاقات اقتصادية مع سورية. أما سورية نفسها فهي خاضعة للعقوبات الأميركية منذ 12 أيلول 2003 عندما أصدر الكونغرس «قانون محاسبة سورية» الذي حظر بيع المنتوجات الأميركية لها، باستثناء الأغذية والأدوية، كما حظر الرحلات الجوية السورية إلى الولايات المتحدة.

الضوء الأخضر الذي أعطته السفيرة الأميركية لم يكن لسورية، ولكن لدول اضطرت للالتزام ببنود قانون قيصر لارتباطها السياسي والاقتصادي بالولايات المتحدة، كما هو الحال في مصر التي تحصل على 2.1 مليار دولار من المساعدات الأميركية، والأردن الذي يتلقى 1.8 مليار دولار من المساعدات إضافة لارتباطه باتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة.

لم تكن الولايات المتحدة لتتراجع عن بند واحد من بنود قانون قيصر لولا صمود الجيش والقيادة والشعب السوري.

ولا يستطيع المعارضون إدعاء بذل أي مجهود ضد الحصار يتجاوز البيانات المليئة بالحشو اللفظي الفارغ، وبعض هؤلاء أبدى تأييداً علنياً أو ضمنياً للحصار من خلال دعوة الدولة السورية للتراجع عن ثوابتها لرفع الحصار، بدلاً من التصدي لقوى العدوان وفضحها.

ما يقلق المعارضين والعدو في آن، هو فكرة انتصار الدولة السورية. ورغم بطولات الجيش وصمود القيادة، إلا أن هذا النصر لم يكن ليتحقق من دون التفاف الشعب السوري حول جيشه وقيادته، وهذا يبطل كل مزاعمهم ومبرارتهم التي استندوا إليها، زوراً، لتبرير حربهم على سورية.

المشكلة الأهم أن الانتصارات التي حققتها الدولة السورية هي حقيقة ماثلة على الأرض تجاوزت موجات الإنكار والتشكيك. ونتيجة للحصار الاقتصادي الخانق، فإن سوء الأحوال المعيشية طالت قطاعاً واسعاً من الشعب السوري، وهو أمر متوقع بعد 10 سنوات من الحرب، لكن يخبرنا التاريخ أن جميع الأمم التي خاضت مثل هذه الحرب عانت اقتصادياً ومعيشياً، لكنها تجاوزت الأزمات وخرجت أكثر قوة وتطوراً.

كما ويخبرنا التاريخ أنه قبل سنوات قليلة كان معسكر الأعداء يضم معظم الدول المحيطة بسورية، وجزءاً لا يُستهان به من القوى الدولية الإقليمية.

أما اليوم فقد تداعى هذا المعسكر تحت وطأة انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه، ولم يتبقَ في الإقليم سوى تركيا تعاند منطق الواقع والتاريخ وتحاول الخروج ولو بانتصار معنوي من ورطتها في الملف السوري.

إن كان الشاعر الدمشقي نزار قباني قد رسم قصص حبه بالكلمات، فإن الجيش والشعب السوريين قد رسما أجمل قصة حب للوطن بالتضحيات والدماء والبنادق.

كاتب من الأردن


صحيفة تشرين