الرئيسية / التعليم في سوريا / المنهاج / كتب المدرس إبراهيم خنسة: بمبادرة مشكورة ومقدّرة من أ

كتب المدرس إبراهيم خنسة: بمبادرة مشكورة ومقدّرة من أ



كتب المدرس إبراهيم خنسة:
…..

بمبادرة مشكورة ومقدّرة من أ. ناصر بحصاص الموجّه الأوّل لمادّة اللّغة العربيّة ومنسّق المادّة في المركز الوطنيّ لتطوير المناهج التربويّة..
تلقّيت ليل أمسِ اتّصالاً هاتفيّاً منه تجاذبنا فيه أطراف الحديث التّعليميّ والامتحانيّ، وتبادلنا الآراء المتنوّعة عن سّلم تصحيح اللّغة العربيّة الخاصّ بالفرع العلميّ، ثمّ انتهينا إلى الحديث عن خطّة تطوير منهاج اللّغة العربيّة المقبلة، وعناوين أخرى.

فيما يخصّ سلّم تصحيح الفرع العلميّ قدّم أ. ناصر رؤيته وردّه على النّقاط التي أثرناها أمس باعتبارها إضافات يجب أن يشتمل عليها السلّم.

أثناء النّقاش تركت المساحة العظمى للأستاذ ناصر ليقدّم ردّه الكامل دون مقاطعة واكتفيت ببعض عبارات الإطراء على ما يتضمّنه كلامه من ملامح شخصيّته العلميّة التّربويّة القياديّة وحسن إدارته للأمور، وما يتحلّى به من تواضع أهل العلم الذين يصغون إلى وجهات النّظر المختلفة فيأخذون منها ما هو حقّ بالبرهان والدّليل العلميّ، وهذا ما نأمله منه دائماً.

والحقّ أقول: إنّ ما قدّمه الأستاذ ناصر من حجج لما ذهب إليه سلّم التّصحيح من مذاهب محدّدة في قبول إجابات معيّنة ورفض أخرى فيه شيء كثير من الدّقّة والمعياريّة، ولكنّني أرى أنّ للحقيقة والحقّ أوجهاً متعدّدة غير محصورة بالإجابات التي فضّلها الأستاذ ناصر وإلى جانبه أساتذتنا الأفاضل في لجنة مناقشة السلّم الوزاريّ، وإنّني بصفتي طالباً للعلم وساعياً إلى الحقّ سأسمح لنفسي أن أرسّخ النّقاط التي أثرتها أمسِ بأسلوب علميّ موثّق ودقيق، ولا أدّعي أنّني في سعيي هذا أفوق أساتذتنا في الوزارة وفي مقدّمتهم الأستاذ ناصر علماً أو معرفة، وإنّما أنا مثلهم، إنّما أفعل ذلك مدفوعاً بنزعة خدمة الحقّ والحقيقة، وتقديم كلّ ما هو مفيد للعلم والتّعليم وللعمليّة التّربويّة وللمتعلّم المبدع والمثابر، وثقتي مطلقة بأنّهم هم أهل العلم الذين لا يجدون حرجاً في تطوير آرائهم ورؤاهم بالإصغاء إلى الحجج والبراهين والخضوع للحقّ الذي تقتضيه.

وسأتّبع في ردّي على أستاذي ناصر بحصاص منهجاً محدّد الملامح يتجلّى بالتّرتبيب الآتي:
1. عرض وجهة نظر الأستاذ ناصر عن النّقاط المثارة بأمانة ودقّة
2. العرض المنهجيّ العلميّ الأكاديميّ الموثّق لآرائنا المحقّة.

النّقطة الأولى: ضرورة إضافة القيمتين (تقدير الشّوق إلى المحبوبة – الحبّ الصادق) إلى القيم المقبولة، وردّ الأستاذ ناصر على القيمتين:
– قيمة (تقدير الشّوق إلى المحبوبة): هذه القيمة غير مقبولة لأنّ القيم يجب ألّا تتضمّن لفظاً عن الشّعور (الشّوق)، فالشّعور هو الدّافع المولّد للقيمية، فالشّوق للمحبوبة هو الدّافع لقيمة (التّعلّق بالمحبوبة) على سبيل المثال.

وجهة نظرنا العلميّة المحقّة: ورد في سلّم التّصحيح قيمتان مشابهتان مقبولتان وهما (حبّ المحبوبة) و (تقدير حبّ المحبوبة)، وهاتان القيمتان تتضمّنان لفظ (الحب) الذي يشير إلى الشّعور، وفي هذه دليل قاطع من سلّم التّصحيح نفسه أنّ قيمة (تقدير الشّوق إلى المحبوبة) يجب أن تُقبَل لانتفاء الحجّة المانعة من قبولها في السّلم ومن السلّم.

– قيمة (الصّدق في الحبّ): هذه القيمية غير مقبول لأنّ الحبّ غير مضمّن في معاني البيت، فالشاعر يعبّر عن أمله بتجدّد الوصال مع المحبوبة، ويدعو بتحقّق ذلك فقط.

وجهة نظرنا العلميّة المحقّة: إنّ تعبير الشّاعر عن أمله بلقاء محبوبته التي انقطع وصاله بها، هو مؤشّر على أحد أمرين:
1. عجز الشّاعر عن العثور على حبيبة جديدة تواصله كمحبوبته المفارقة.
أو
2. صدق الشّاعر في حبّه لمحبوبته، وهو القيمة الدّافعة للوفاء والتّعلّق بها.
ولا أشكّ أنّ الأمر الأوّل (العجز) مفترَض غير صحيح، أمّا الأمر الثّاني (الصّدق) فهو حقيقيّ دقيق.
أليست قيمة (الصّدق في الحبّ) التي يتحلّى بها الشّاعر هي التي دفعته إلى الوفاء لمحبوبته والتّعلّق بها.
بلى بكلّ تأكيد وثقة.

النّقطة الثّانية: ضرورة إضافة البنود الآتية إلى سؤال علامات الإعراب الفرعيّة:
دعوا نسمةً تهبُّ – دعوا نسمتي تهبُّ – دعوا نسمة الهواء تهبٌّ – دعوا نسمة الرّياح تهبُّ – دعوا نسمة الوطن تهبُّ.. أو ما يماثل هذه الصّيغ.

ردّ الأستاذ ناصر: هذه الصّيغ جميعها مقبولة بقوّة الأمر الواقع، والسّلّم قد أشار إلى قبول مثل هذه الصّيغ، والطّالب سينال درجة السّؤال كاملةً ولو لم يضبط اشتقاقات كلمة (النّسمات) المتنوّعة.
أمّا الإجابة (دعوا الرّياح تهبُّ) فهي غير مقبول وسيخسر الطّالب درجة هذه الجزئيّة كاملة لأنّه استبدل كلمة (النّسمات) بكلمة أخرى (الرّياح) وهو بذلك لم يلتزم بنصّ السّؤال (اجعل الكلمة التي تحتها خطّ..).

النّقطة الثّالثة: ضرورة تصويب تجزيء علامة سؤال الصّورة البيانيّة.

ردّ الأستاذ ناصر: هذا عُرف قديم في التّصحيح، ولن تشكّل صيغة سلّم التّصحيح أيّ التباس لدى أيّ مصحّح، والموجّهون يحرصون على تعميم الإرشادات للمصحّحين المستجدّين ممّن قد تكون خبرتهم قليلة، فالطّالب إذا كتب في سرده:
ذكر المشبّه (الجسور) أو (جسور الزّمالك) وحذف المشبّه به (الإنسان)…
أو
المشبّه به: الإنسان (محذوف)
فهو سينال درجتي تحديد المشبّه به + الإشارة إلى أنّه محذوف.
ولن يكون هناك أيّ مشكلة محتملة، ومن الطّبيعي أن يُقبل السّرد في الإجابة ولو لم يشر السّلّم إلى ذلك.

النّقطة الرّابعة: أن يضاف إلى إجابات “جعل جملة جواب الشّرط مقترنة بالفاء وجوباً” الإجابة التالية:
– فلقد صوّح غصني ومال

ردّ الأستاذ ناصر: اللّام في (لقد) واقعة في جواب قسم مقدّر، والتّقدير في هذه الحالة يكون:
إذا فارقني الرّضا أقسم فلقد صوّح غصني.
ولذلك لم تُقبل هذه الإجابة.
أمّا استخدام حرف النّفي (ما) فإنّه لا يحافظ على سلامة المعنى، ولهذا هي إجابة غير مقبولة، ولن يُمنح الطّالب أي جزء من الدّرجة في حال استخدم (ما).

وجهة نظرنا العلميّة المحقّة: اللّام في قولنا (فلقد صوّح غصني) يجوز فيها وجهان:
1. واقعة في جواب قسم مقدّر كما أشار الأستاذ ناصر.
2. لام الابتداء: وهذا هو الوجه الأرجح في القياس
واسألوا كتب النّحو عن ذلك.
وبناءً عليه يجب أن تُقبَل الإجابة (فلقد صوّح غصني) لبطلان الحجّة المانعة.

النّقطة الخامسة: أن يُقبل في توضيح وظيفة الصّورة شعور (الأمل) لأنّه مضمّن في الصّورة على سبيل المبالغة المجازيّة التي تجعل الشّاعر يأمل عودة ابنه من الموت.

ردّ الأستاذ ناصر: من غير المعقول أن يُقبَل شعور الأمل، وإذا قبلناه فإنّ ذلك سيكون مأخذاً علينا من كبار أهل الأدب، لأنّ قبوله يعني أنّنا نجعل من نزار قبّاني مجنوناً فاقداً العقل، ذلك لأنّنا ننسب إليه فكرة غير منطقيّة (الأمل بعودة ابنه من الموت).

وجهة نظرنا العلميّة الأدبيّة المحقّة: الأدب عامّة، والشّعر خاصّة يقوم على المبالغة في جانبه الأشمل والأجمل، ولهذا قالت العرب (أجمل الشّعر أكذبه)، فجمال الشّعر وبلاغته تتجلّى في أبرز صورها بمفارقته لمنطق الأمور في الحياة العاديّة، فالمحبوبة في الغزل – على سبيل المثال – توصف بصفات غير منطقيّة وغير معقولة، فإليها يشتاق القمر، وخلفها تسير الأشجار..إلخ.
وهذا من طبيعة الشّعر التّخييليّة المجازيّة التي تعتمد على المبالغة.
وتعبير الشّاعر عن أمله بعودة المتوفّى المرثيّ إلى الحياة معنى معروف في الشّعر العربيّ، فمنه على سبيل المثال من شعر نزار قبّاني قوله في رثاء بلقيس:
ولا أدري أنا .. ماذا أقول؟
هل تقرعين الباب بعد دقائقٍ؟
هل تخلعين المعطف الشّتويّ؟
هل تأتين باسمةً وناضرةً ومشرقةً كأزهار الحقول

بل إنّ الشّاعر قد يعيد المتوفّى إلى الحياة في شعره، ومنه قول نزار في رثاء بلقيس مستحضراً ذكرها وكأنّها ما زالت على قيد الحياة في المنزل بأسطر شعريّة تعبّر عن ضياع الشّاعر بين الحقيقة والخيال:
بلقيس
أين زجاجة “الغيرلان”؟
والولّاعة الزرقاء .. أين سجارة (الكِنْت) التي ما فارقت شفتيك؟

ونزار قبّاني في قصيدة الأمير الدّمشقي يعبّر عن أمله بعودة ابنه توفيق صراحةً في قوله:
فهل ستفكّر فينا قليلاً؟
وترجع في آخر الصّيف حتّى نراك؟

الأهمّ من ذلك كلّه أنّ الدّرسين اللذين قُدّما على المنصّة التّربويّة الخاصّة بوزارة التّربية يشهدان بأنّ الأمل بعودة توفيق من الموت معنى مضمّن في المقطع الأخير من القصيدة، بدليل التّطبيقات الموجودة بعد القصيدة في الكتاب، وهذا تفصيله:

في الدّرس الأوّل الذي قدّمه المدرّس “عامر القوري” على الرّابط:
http://sep.edu.sy/v subj.php?i=944

وردت الأسئلة والنقاشات والإجابات الآتية:
السّؤال: ماذا تفيد الأساليب الإنشائيّة في القصيدة؟
الإجابة من الدّرس: ….الأمل بالعودة

السّؤال: وازن بين المقطع الخامس من النّصّ وقول الشّاعر عبيد بن الأبرص:
وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ
وغائبُ الموت لا يؤوب
الإجابة من الدّرس:
التّشابه: كلا الشّاعرين يتحدّث عن العودة بعد الموت
الاختلاف: نزار قبّاني لديه أمل وتمنّي بعودة ابنه أمّا الأبرص فيقول إنّ الميّت لا يعود

في الدّرس الثّاني الذي قدّمته المدرّسة “أسماء السّمارة” على الرّابط:
http://sep.edu.sy/v subj.php?i=2195

وردت الأسئلة والنقاشات والإجابات الآتية:

– الفكرة الرّئيسة في المقطع الخامس: تمنّي الشّاعر عودة ابنه من رحيله (انظر الصّورة المرفقة من الدّرس).

– عند الحديث عن معاني المقطع الخامس قالت المدرّسة أسماء:
“بهذا المقطع يتحدّث الشّاعر عن تعلّق ولده ببلاده، حتّى الحمام والجسور بدأت تشتاق، ويتمنّى الشّاعر في هذا المقطع عودة ابنه، يقول: كلّ ما في الدّنيا يشتاق لك وأتمنّى عودتك”.

– في سؤال الموازنة نفسه، كانت الإجابة كالآتي:
كلا الشّاعرين تحدّث عن الغياب والموت
أمّا نزار: (فقد) تحدّث عن الموت بشكل خاصّ و تمنّى عودة ابنه.
وأمّا عبيد: (فقد) تحدّث عن الموت بشكل عامّ، ولا يأمل بعودة الميت.
(انظر الصورة المرفقة من الدّرس)

إذن دروسكم على منصّات وزارة التّربية الرّسميّة، وتطبيقات الكتاب تشهد أنّ الأمل بعودة الابن إلى الحياة معنى موجود وواضح في المقطع الخامس.

فهل تعلّمون الطّالب شيئاً ثمّ تحتسبون إجابته خطأً إذا كتب ما تعلّمه منكم في منصّاتكم وكتابكم المدرسيّ؟
ذلك غير منطقيّ وغير عادل، بل هو الظلّم والإجحاف عينُه.

نشير أخيراً إلى أنّ الفعل (ترقب) من مرادفاته السّياقيّة (تتوقّع – تنتظر – تأمل – تتمنّى)، ونحن نقول (الجماهير ترقب تحقّق الإصلاحات) أي تنتظر بأمل.

بناءً عليه يجب قبول شعور الأمل في وظيفة إضفاء النّفسيّة.

النّقطة السّادسة: أن يُشار في السّلّم إلى قبول أجزاء دالّة من المقطعين الثّاني والثّالث من قصيدة محمود درويش.

ردّ الأستاذ ناصر: هذا هو الأمر الواقع البديهي، وهو عُرف في التّصحيح، فأيّ سطرين فيهما شيء من ممارسات الاحتلال سيمنحان الطّالب درجة الشّاهد.

النّقطة السّابعة: ضرورة قبول شعوري الأمل والكره في قول الشّاعر:
سقاك الحيا يا مربعاً عبثت به
صروفُ الزّمان الغادرات فحالا

ردّ الأستاذ ناصر: تحديد الشّعور العاطفيّ في السّلم انطلق من مركزيّة المعنى وما يرافقه من شعور بارز، فالشّاعر حزين ومشتاق، ولهذا يدعو بالسّقيا للمربع (أيّام الوصال)، والدّعاء بالسّقيا مرتبط بشعور الحزن، ولا يمكن قبول شعور الأمل إلى جانب شعور الحزن لأنّهما شعوران متناقضان.

وجهة نظرنا العلميّة الأدبيّة المحقّة:
الشّعر فنّ كلاميّ يقوم على التّخييل والانزياح اللغويّ مضموناً وشكلاً، وأجمل القصائد والأبيات الشّعريّة هي تلك التي تُقرأ بأوجه متنوّعة، ففهم أيّ نصّ أو بيت قد يختلف بين متلقٍّ وآخر، وهذا ما قالت به مناهج النّقد الأدبي كلّها وأثبتته، وعلى رأسها “نظريّة التّلقّي” على سبيل المثال لا الحصر.

فالأطلال في قصيدة امرؤ القيس بالنّسبة للمتلقّي غير المتعمّق لا تعدو كونها بقايا ديار المحبوبة الخربة التي يبكي الشّاعر في حضرتها.
لكنّها بالنّسبة لأستاذنا القدير الدكتور وهب روميّة رمز للحياة الإنسانيّة والوجود الإنسانيّ.

وحديث امرئ القيس عن الجواد في معلّقته هو موضعٌ للافتخار بالنّسبة للمتلقّي الذي يرى ظاهر الكلام.
لكنّ الحصان بالنّسبة للدكتور وهب روميّة معادلٌ موضوع للأمل والقوّة في مواجهة أحداث الزّمان والتّحدّيات الوجوديّة كما وضّح في قراءته للمعلّقة.

فيما يخصّ الدّعاء بالسّقيا، صحيحٌ أنّه مرافق لمعاني الحزن، ولكنّه يرافقه من مبدأ بثّ الأمل في ثنايا الحزن والموت، فالماء هو الحياة، وهو العزاء الوجودي في مقابل الموت والفناء أو الفراق.
والشّاعر حين يدعو بالسّقيا للزّمن الماضي الجميل أو للقبر إنّما يستحضر الأمل في مقابل الأسى، وهو في هذا البيت أمل بتجدّد اللّقاء والوصال بالمحبوبة، أمّا في الأبيات الخاصّة بغرض الرّثاء يكون الدّعاء بالسّقيا استحضاراً للأمل باستمرار الحياة رغم الموت، ولهذا يستطر الشّعراء في ذكر كلّ ما يشير إلى الحياة، ومن ذلك قول النّابغة الذّبياني في رثاء النّعمان بن المنذر:
سقى الغيثُ قبراُ بين بصرى وجاسمِ
بغيثٍ من الوشميّ قطرٌ ووابلُ
ولازال ريحانٌ ومسكٌ وعنبرٌ
على متنها ديمةٌ ثمّ هاطلُ
وينبتُ حـــــوذانا مــــنوّراً
سأتبعه من خير ما قال قائلُ
المصدر: مقالات في الشّعر الجّاهليّ، يوسف اليوسف، ط2، ص 344 .

وأنا شخصيّاً أرى أنّ البيت المقصود في الورقة الامتحانيّة مفعم بالحزن، ولكنّ الأمل مبثوث في ثنايا الحزن، وهو أمل بتجدّد الوصال الذي يذكر في أبيات أخرى مثل:
لعلّ وصالاً منهم بعد نأيهم
يوافي المعنّى لا عدمت وصالا
ففي هذا البيت أيضاً ثمّة حضور بارز لشعوري الحزن والأمل معاً، وليس هناك أي تعارض بينهما، بل الاقتران بينهما طبيعيّ في الشعر، وهما مقترنان في غير بيت من الكتاب المدرسيّ، مثل قول خير الدّين الزركلي في قصيدة “مروءة وسخاء” على لسان الابن:
لئن ساءت بنا الأيّامُ حيناً
فربّتما نسرُّ بما نساءُ

أمّا فيما يخصّ شعور الكره: فقد بيّنت لكم في المنشور السّابق أنّ الحديث عن الزّمن ومصائبه يقترن بنعت الزّمن بصفات سلبيّة، وذلك نابعٌ من موقف الشّاعر من صروف الزّمان الغادرة، وأعتبر أنّ ما سقته من أبيات في المقال السّابق كافٍ ووافٍ في إيصال الفكرة التي يجب أن تصل بقوّة الحقّ والعلم.

بقي أن أشير إلى أنّ التّذرّع بمركزيّة الشعور أو مركزيّة المعنى أمر مستغرب في ظلّ حديثنا عن الشّعر الذي يقبل أوجها مختلفة للمعنى كما وضّحت مسبّقاً، فقد يقرأ متلقٍّ هذا البيت ويرى أنّ الشّاعر لديه شوق وأمل رغم الحزن الذي سبّبته له صروف الدّهر التي يكنّ لها الكره لأنّها فرّقته عن محبوبته.
ولا يستطيع متذوّق أو باحث أو شاعر أن يحرم المتلقّي من ذلك كما تقرّر “نظريّة التّلقّي” على سبيل المثال لا الحصر، ونرى أنّ حصر الإجابة الصّحيحة بشعوري الحزن والشّوق فيه فيضٌ غزير من الإجحاف بحقّ العلم والأدب والشّعر والمتلقّي والتّعليم.

أثق بأنّكم ستضيفون هذين الشّعورين إلى سلّم التّصحيح بعد كلّ هذه البراهين العلميّة والأدبيّة والمنطقيّة.

نقطة ثامنة أثارها أستاذنا جابر معمرجي تتعلّق باشتراط السّلّم في توضيح وظيفة إضفاء النّفسيّة أن يقرن الطالب الفعل (شخّص) بقوله (بتشبيهه بالإنسان).

وجهة نظر الأستاذ جابر المحقّة أن يكتفى بإحدى الصيغتين أو ما في معناهما، لأنّ التّشخيص يشير إلى الإنسان، والإنسان يشير إلى التّشخيص.

ردّ الأستاذ ناصر بحصاص: يرى الأستاذ ناصر أنّ لفظ (شخّص – التّشخيص) ليس مختصّاً بالإنسان، فكلّ جامد ظاهر للعيان هو شيء شاخص، ولذلك من الضّرورة أن يقرن الطّالب هذا اللّفظ بإشارته إلى الإنسان، فلفظ التّشخيص ليس محصوراً بالإنسان.

وجهة نظرنا العلميّة اللّغويّة الأدبيّة البلاغيّة المحقّة: مصطلح “التّشخيص” كان ولا يزال يُدرّس في مناهجنا بوصفه “منح الجمادات صفات الإنسان” أو شيئاً من لوازمه (كالتّرقُّب).

أضف إلى ذلك إلى أنّ نصّ قاعدة وظيفة إضفاء الشّخصيّة في الكتاب المدرسيّ ينصّ على الآتي حرفيّاً:
“إضفاء نفسيّة المبدع على الطّبيعة والأشياء: تنقل الصّورة الطبيعة والأشياء بعد انفعال المبدع بها فتتلوّن بمشاعره ورؤاه، وتبدو فرحةً أو حزينة وفق مزاج المبدع وحالته النّفسيّة معتمدةً على التّجسيد أو التّشخيص”.

إذن نصّ الكلام الحرفيّ في الكتاب المقرّر يستخدم مصطلح “التّشخيص” بوصفه دالّاً على الإنسان، بدليل ذكره إلى جانب “التّجسيد” وتمييزه عنه.

وللدلالة الأكاديميّة على اقتران التّشخيص بالإنسان أنقل اقتباساً موثّقاً من بحث أكاديميّ بعنوان “صور التّجسيد والتّشخيص في شعر محمّد بلقاسم خمار” للباحث عبد القادر علي زروقي، واستشهادي بهذا البحث ومصادره ليس إلّا مثالاً من آلاف الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها.

يقول البحث (انظر الصّور في التّعليقات):
أ. مفهوم التّشخيص لغةً واصطلاحاً
أ. ا. في الأصل اللّغويّ:
لكي نتحدّث عن مصطلح التّشخيص بوصفه مصطلحاً نقديّاً أو بلاغيّاً لا بدّ من الرّجوع إلى المعجم العربيّ لمعرفة الأصل المادّيّ للتّشخيص، ومعرفة ما يحتفظ به من الحسّيّة، فالتّشخيص في اللّغة من الشّخص وهو سواد الإنسان (1) إذا رأيته من بعيد، وكلّ شيء رأيت جسمانه من بعيد فقد رأيت شخصه … وفي المعجم الوسيط (الشّخص) كلّ جسم له ارتفاع وظهور (2).
1. ينظر: لسان العرب، ابن منظور، ج 7، ص 45 – 46 ، وينظر: معجم مقاييس اللّغة، ابن فارس، ج 3 ، ص 254.
2. أساس البلاغة، الزّمخشري، ج 1، تحقيق محمّد باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة، ط 1 ، 1998، بيروت لبنان، ص 298.

أ. 2. في الاصطلاح:
أمّا الدّلالة الاصطلاحيّة للتشخيص، فهو يعدّ مصطلحاً حديثاً (1) لم يرد في كتب القدماء محدّداً على الرّغم من كثرة هذا الفنّ في التّراث العربيّ الأدبيّ، بل جاء الحديث عنه متداخلاً مع فنون البلاغة العربيّة، فهو أدخل في باب الاستعارة “لأنّ المفردة المشخّصة تستعار من الإنسان للجماد لبث روح فاعليّة للإنسان في الأشياء (2)، فالتّشخيص مصطلح أطلقه النّقاد الغربيّون على اكتساب الموضوعات الجامدة صفات الكائن الحيّ، وهو حسب رأي هربت ريد (Herbert Read) “وقفُ أشياء جامدة على أفعال حيّة” (3)، أو هو إعطاء الموضوعات غير الحيويّة صفات الأشخاص” (4) ويعرّفه جورج لايكون (George Lakoff) ومارك جونسون (Mark Johnson) بأنّه “مقولة عامّة تغطّي عدداً كبيراً من الاستعارات، حيث تنتقي كلٌّ منها مظاهر مختلفة لشخص ما أو طرقاً مختلفة للنظر إليه، وما تشترك فيه كلّ هذه الاستعارات أنّها تسمح لنا بأن نعطي معنى للظواهر في هذا العالم عن طريق ما هو بشريّ، فنفهمها اعتماداً على محفّزاتنا وأهدافنا وأنشطتنا وخصائصنا (5).
والصّورة التّشخيصيّة نعني بها “إحياء المواد الحسّيّة والجامدة وإكسابها إنسانيّة الإنسان” (6). وهي ما يستخدمه الشعراء في تشخيص مظاهر الطّبيعة الصّامتة والمتحرّكة، بحيث تضحي الطّبيعة شخوصا عاقلة تتفاعل وتتجاوب وتستشعر وجود الإنسان، … لأنّ التّشخيص يجعل الأشياء كائنات عاقلة أو أشخاصاً يشعر المرء بمشاركتها الوجدانيّة وبهذا يتوحّد المرء مع الأشياء (7)
1. ينظر: النّقد الأدبيّ الحديث، محمّد غنيمي هلال، دار النّهضة، (دط)، (دت) مصر، القاهرة، ص 129.
2. جماليّة المفردة القرآنيّة في كتب الإعجاز، أحمد ياسوف، دار المكتبيـ (دط)، 1994، سورية، ص 141.
3. ينظر: المجاز في البلاغة العربيّة، مهدي صالح السّامرّائي، دار العودة، ط1، 1974، سورية، ص240.
4. ينظر: مقدّمة في الشّعر، جاكوب كرج، دار الشّؤون الثّقافيّة، ط4، 2004، العراق، ص47.
5. الاستعارات التي نحيا بها، جورج لايكوف ومارك جونسون، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال، ط1, 1996، الدّار البيضاء، المغرب، ص54.
6. الصّورة الفنّيّة في شعر أبي تمّام، عبد الغادر الرّباعي، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنّشر، ط2، 1999، بيروت، 210.
7. ينظر: دراسات في علم النّفس الأدبيّ، حامد عبد القادر، المطبعة النّموذجيّة، (دط)، 1949، القاهرة، ص 112.

ممّا سبق من مصادر ومراجع أكاديميّة يثبت بالبرهان القاطع أنّ التّشخيص مصطلح معروف الدّلالة اللّغويّة والاصطلاحيّة، وهو يدلّ على الإنسان، وليس من العدل اشتراط اقتران هذين اللفظين معاً في إجابة الطّالب، بل يجب أن يُكتفى بأحدهما لينال الطّالب درجة هذه الجزئيّة.
وليس من العلم ولا من التّعليم أن يصرّ أحدٌ على بقاء هذا الشّرط في سلّم التّصحيح.

نقطة تاسعة أثارها أستاذنا عمّار الجزّار، وهي وجوب قبول البيت الشّعريّ:
وما فئةٌ الإصلاح إلّا كبارقٍ
يغرُّك بالقطر الذي ليس يهطلُ
شاهداً على (ممارسات العثمانيّين بحقّ أبناء سورية).

وقد وافقته في رأيه كلّ الموافقة، لأنّ هذا البيت يشير إلى خداع العثمانيّين و كذبهم على أبناء سورية من خلال وعود الإصلاح الكاذبة التي كانوا يخدعون بها الشّعب السّوري ليبقى تحت تأثير سلطتهم وظلمهم دون أن يطالب بالعدل.

وهذا الشّاهد أشدّ دلالة على الممارسات التي اتّبعها العثمانيون ضد أبناء سورية من الشّاهد الذي قُبل تساهلاً في سلّم التّصحيح (وما هي إلا دولة..)

أثق بأنّ هذا السّرد المنهجيّ العلميّ الدّقيق والمفصّل بالبراهين والأدلّة سيلقى محلّاً واسعاً في صدر الأستاذ القدير ناصر بحصاص وسواه من أساتذتنا الموجهين الاختصاصيّين في مادّة اللّغة العربيّة.

وسنسمع الأخبار المفرحة قريباً جدّاً بأخذها بعين الاعتبار كما تقتضي دقّة الأستاذ ناصر وأمانته العلميّة والتّعليميّة، وشخصيّته العلميّة الفريدة التي تنتصر للحقّ والحقيقة.

أعتذر عن الإطالة
وشكراً