الرئيسية / مقالات تعليمية / واقع تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى في العالم العربي: تحديات وحلول

واقع تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى في العالم العربي: تحديات وحلول




واقع تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى في العالم العربي: تحديات وحلول

تعليم جديد، أفكار تعليمية جديدة، تعليم مختلف: واقع تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى في العالم العربي: تحديات وحلول التعليم في وزارة التربية والتعليم العالي

#واقع #تدريس #اللغة #العربية #للناطقين #بلغات #أخرى #في #العالم #العربي #تحديات #وحلول

الرسم الهجائي

يعتبر تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها من أكثر المواد الدراسية التي تعطى اهتماماً كبيراً في هذا العصر، وذلك لتنوع الثقافات والجنسيات في مجتمعاتنا العربية. فالانفتاح العالمي وسوق العمل الذي لا يعرف حدودا سمح بشكل كبير بخلق بيئة متنوعة في المجتمعات المختلفة، وبالتالي كان للمدارس والجامعات والمعاهد التعليمية نصيب في استيعاب حِمْلِ التلاميذ الغير ناطقين باللغة العربية “الناطقين بلغات مختلفة”؛ منها ما هو قريب من اللغة العربية مثل: الأوردو، ومنها ما هو بعيد عنها تماماً، مثل اللغة الصينية. هذا التعدد في اللغات يجعل معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها يتعاملون بمنهجية متشعبة ومتنوعة تحتاج منهم لجهود كبيرة لسد كل تلك الثغرات الناتجة عن هذا التنوع.

ولذلك سوف يسلط هذا المقال الضوء على بعض هذه التحديات واقتراح بعض الحلول لها من خلال الملاحظات الميدانية  في مُعترك العملية التعليمية.

التحدي الأول: التأسيس للغة عربية تفاعلية

من أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها هي عندما يأتي المعلم و يسأل الطالب: “ما معنى هذه الكلمة؟” فينظر التلاميذ لبعضهم بعضاً من غير أن يجيب أحد! وتدرك أن المشكلة ليست في الكلمة التي تريد من الطلاب أن يتعلموها بل بالسؤال نفسه. فهم لا يستطيعون أن يفهموا السؤال، وبالتحديد كلمة “يعني” أو “تعني”! هنا يأتي دور المعلم ليؤسس نمطاً من المحادثة الصفية تمكن الطلبة من التواصل مع المعلم. وهنا أعني بالنمط مجموعة من العبارات والأسئلة اللغوية التي تمكن المعلم من الاستغناء عن استخدام اللغة الإنجليزية في عملية التواصل بينه وبين الطلبة.

فعلى المعلم أن يدرك أن حصة اللغة العربية هي الوحيدة التي تعطي الفرصة لهذا الطالب بالاستماع والتحدث باللغة العربية. فما أن يخرج من باب الصف فإن اللغة الأم هي التي ستنساب على ألسنتهم وليست العربية. فعلى المعلمين أن يخلقوا من حصص العربية فرصة ليتفاعل الطالب مع اللغة من خلال استغلال كل دقيقة فيها في دمج الطالب بالمهارات اللغوية الاستقبالية والإنتاجية على حدٍ سواء.

التحدي الثاني: تنوع مستويات المُتَعلِمين

وتأتي مشكلة المستويات وتفاوت الطلبة في تمكنهم من اللغة العربية تحدياً آخر يربِكُ المعلم بشكل خاص وعملية التعلم بشكلٍ عام. تتأثر هذه النقطة بعدة عوامل منها: عدد سنوات دراسة اللغة العربية للطالب، والخلفية الثقافية من ناحية قربها من المجتمع العربي وبعدها، فالطالب الباكستاني الذي يشارك المجتمع العربي بالدين و الكتابة بالحروف العربية يختلف عن الطالب البريطاني أو الكندي.

تنوع المستويات يمكن أن يكون بسبب الانتقال المفاجئ لهذا الطالب من بلده الأصلي إلى بلدٍ عربي، فيجد نفسه مضطراً لتعلم الحروف بين مجموعة من الطلاب كانوا قد اجتازوا هذه المرحلة. طبعاً هنا الحديث عن طلبة المدارس وليس البالغين.

من ناحية أخرى، يرجع وجود المستويات إلى طبيعة التعلم الذي تعرض له هذا الطالب. للأسف هناك مدارس تقوم بإهمال تعدد المستويات وتتعامل مع التلاميذ بنفس المستوى. هذا من شأنه أن يجعل الطالب في المستوى المبتدىء يبقى على حاله عدة سنوات ولا يكترث له أحد، فعندها يصل إلى صفوف عليا ويبقى على مستواه من غير أي تعلم جديد.

هذه المشكلة تجعل عملية تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى واقفة لا تتحرك. والسبب فيها يرجع للمؤسسة التربوية التي تهمل حاجة الطلاب إلى الفرز واعطائهم حقهم من التعليم الذي يناسب مستواهم الأكاديمي. لحل هذه المشكلة يجب أن توفر المدرسة أو المعهد خطة واضحة ممنهجة في استقبال مختلف المستويات واعطائهم منهاجاً واضحاً يناسب مستواهم. الإستعداد هنا يكون من خلال إجراء اختبارات تشخيصية مستمرة للوقوف على مستوى التلميذ وكذلك سير عملية التعلم لديه. لا تكفي المقابلات الشفهية لتحديد المستويات بل يجب أن يكون هناك رؤية واضحة لقياس المهارات اللغوية المختلفة، وكذلك أنماط التعلم التي تخدم التلميذ بحسب المرحلة العمرية التي ينتمي إليها. فالمبتدِىء في المرحلة الأساسية يختلف عن المبتدِىء في المرحلة الثانوية.

التحدي الثالث: فقدان الدافعية

لا تستغرب كمعلم أن تسمع بين الفينة والأخرى أحد التلاميذ يقول لك: “أنا لا أريد أن أتعلم العربية” أو تلميذ آخر يقول مستنكراً: “لماذا نتعلم العربية؟” أو تلميذ آخر يقولها بشكلٍ صريح: “نحن لا نحتاج لتعلم العربية لذلك أنا لا أريد أن أتعلم أو أدرس”. ومن غير شكٍ فإن ذلك له آثاره السلبية على التلميذ نفسه وعلى الجو التعليمي في الغرفة الصفية. فالتلميذ الذي يفتقر لدافعية التعلم لن يؤثر على نفسه فقط بل يمكن أن يصدر هذا النوع من الموقف السلبي تجاه تعلم اللغة العربية لباقي التلاميذ. لذلك فإن ذلك يعتمد بشكل كبير على حنكة المعلم في التعامل مع المواقف الصفية المختلفة. فالمعلم يجب عليه أن لا يهمل الحوار البناء الذي يضع التلميذ على مضمار الدراسة والعمل على تعزيز الروح الايجابية بين التلاميذ. كما أن للمعلم دور كبير في تصدير الجو الإيجابي من خلال أسلوبه وشخصيته المرنة والمرحة في التعامل مع المواقف المختلفة. تنوع استراتيجيات التعلم واستخدام التكنولوجيا بشكل صحيح يمكنه أن يحول حصة اللغة العربية من حصة جافة وصعبة إلى حصة مفيدة وممتعة.

التحدي الرابع: توفير عدد كاف من المعلمين

وبلا شك يجب على المدارس والمعاهد أن يسعوا لتقديم الدعم الكامل لتعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. وذلك من خلال توفير عدد مناسب من المعلمين وعدم الاقتصار على الحد الأدنى من المعلمين بغض النَّظر عن الأعداد القليلة للتلاميذ. كما ويمكن أن يستعين المعهد أو المدرسة بالمعلم المساعد أو المساند في متابعة التلاميذ في المستوى المبتدئ، خاصة إذا كانت الأعداد قليلة.

التحدي الخامس: توفير مناهج تلبي احتياجات المتعلمين المختلفة

توفير مناهج وكُتب مطبوعة تساعد كلاً من الطالب والمعلم. فالاعتماد على المعلم في تكوين المادة المناسبة للطالب لا يكفي وكذلك الاعتماد الكلي على الكتاب غير مقبول. خلق التوازن بين الكتاب والمواد التي يقدمها المعلم هو حل جوهري يجعل من عملية التَّعلم تسير في خطى واضحة ومقبولة. هناك الكثير من دور النشر والكُتَّاب المتخصصين في تعليم اللغة العربية قاموا بجهود جبارة لإصدار كتب تخدم التنوع الذي ذكرته في مستويات الطلبة، لكن المشكلة تكمن أن المدارس والمعاهد لا تريد أن تتكلف على الصعيد المادي، لذلك يلجؤون إلى الضغط على المعلمين بتوفير المواد اللازمة وهذا جهد يشكرون عليه، لكن من شأنه أن يشعب عملية التعلم ولن تسير بشكل واضح، فالمعلمون يتفاوتون في مهاراتهم. إن الجهود الجبارة التي قام بها مجموعة من دور النشر في توفير احتياجات متعلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى تستحق أن تقدر لا أن تهمل.

التحدي السادس: مكانة اللغة العربية في المدارس العالمية

إن كل هذه التحديات التي تواجه اللغة العربية تتطلب تظافر الجهود من أجل تأسيس خطط واستراتيجيات تمكن العاملين في الميدان على تحسين جودة التعليم والوقوف على هذه التحديات ومعالجتها. ولا يكون هذا إلا بتوفر إرادة صادقة، إذ نلاحظ بعض المدارس العالمية تقوم بالاهتمام باللغة الانجليزية على حساب اللغة العربية. حتى اللغة العربية كلغة أولى تعاني من إهمال واضح من خلال تقليل عدد الحصص وعدد المعلمين، فما بالنا بمن يتعلم العربية كلغة ثانية أو ثالثة.

التحدي السابع: التنمية المهنية للمعلمين

لماذا التطرق لمثل هذا الموضوع؟ ربما يعتقد البعض أن التنمية المهنية مطلب يحتاجه جميع المعلمين بلا استثناء. نعم، هذا صحيح. لكن بالنظر إلى معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى نجد أنهم يختلفون عن غيرهم في جانب مهم وهو التخصص. فتجدهم يملكون شهادات مختلفة ومتنوعة. فأي إنسان يملك حب وشغف تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى يمكن أن يكون مؤهلاً لتدريس التلاميذ بشكل فعال. ولكن ما مدى فاعلية هذه الفئة من المعلمين “الغير متخصصين في اللغة العربية” في تمكنهم من تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى؟ بلا شكٍ فإن ذلك يختلف من معلمٍ إلى آخر بحجم المهارات التي يمتلكونها. ولذلك فإن إخضاع هذه الفئة من المعلمين إلى برامج تنمية مهنية هو مطلب ملح وحاجة لا يجب التهاون بها. وهذه البرامج يجب أن تكون متنوعة لتشمل تدريب تخصصي مكثف في اللغة العربية ومهارات العرض والتقديم في الغرفة الصفية والتعلم المتمايز ومهارات استخدام التكنولوجيا وغيرها مما يجعل المعلم قادر على التعامل بنجاح مع تلاميذ اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى.

كاتب المقال

عبدالبصير عيد

أستاذ لغة عربية للناطقين بلغات أخرى، حاصل على الماجستير في أساليب التدريس ودبلوم عالي في التربية وتكنولوجيا المعلومات وأيضا كاتب في المواضيع التربوية والمجتمعية. مهتم في التدريب والتطوير في العملية التعليمية