الرئيسية / طب وصحة / صباح القوة ها هي زوجتي تفعل بي تماماً ما كانت تفعله أمي

صباح القوة ها هي زوجتي تفعل بي تماماً ما كانت تفعله أمي



صباح القوة 💕
ها هي زوجتي تفعل بي تماماً ما كانت تفعله أمي . إنه من الصعوبة بمكان أن تكون الأم أو الزوجة المُحبّة كائناً دقيقاً ، يسمعنَ من الجملة أوّلها و يكملنَ كما تشاء لهن رغباتهن و دقات قلوبهن .

كل يوم وقبل الذهاب للعمل أضطر لتذكير زوجتي أن تضع لي في علبة الطعام المخصصة للظهيرة ، ما يعادل نصفها ، لكنني و في كل يوم أجد نفسي أمام تجاوز صارخ لرغبتي و علبة تمتلئ حتى أعلاها تمّ اغلاقها بصعوبة .

كنت أريد فقط تناول نصف الكمية لأنني قد أشعر بالنعاس بعد الغداء ، و هو ما لا يجوز لمهنة طبيب نفسي أن ينام أمام المرضى أو حتى أن يسهو لثوان .

عندما كانت أمي هنا ( في فرنسا ) ، كانت تندفع كل صباح لملء تلك العلبة الزجاجية ذات الغطاء الأخضر و كنت أحاول في البداية أن أتركها تُمارس هذه اللحظة المقدسة التي افتقدتها لسنوات عندما تحضّر طعاماً لابنها ، لكنها لم تغير شيئاً رغم ملاحظاتي الناعمة العابرة و بدت واثقة من فعلتها و لم يظهر في أفق تصرفاتها أي أمل للتغيير ، بل كانت ترد على طلبي البسيط بجواب حاد نهائي :” شلون لكان بدّك تشبع !!” . لم يكن باستطاعتي تحضير طعام الظهيرة بوجودها كان ذلك أمراً مهيناً لها ، و لحضورها .

حتى عمتي ( أم زوجتي ) كانت أيضاً و في كل زياراتنا لسورية على رأس قائمة النساء التي لم تعرف يوماً احترام رغبتي بكمية محدودة للأكل ، و كانت تملأ الصحن أمامي و كأنها تريد أن تضع كوناً كاملاً في صحن ، أن تعوض كل ما اشتهته نفسها في غيابنا ، تريد بطريقة ما أن تنتقم من الفراق و الغياب .

أتذكر الآن عمّاتي و خالاتي و جارات حارتنا ، كلهنّ بدون استثناء ، لم يستطعن احترام حدودي للطعام و كان فائض حبهن يزيد دائماً عن استطاعتي .

لا داع ، كما يبدو ، لأي توصيات و آراء لأي أم مُحبّة عندما يتعلق الأمر بالعطاء .
الأفضل أن تتركها لرغبتها ، لتلك ” النهرية” التي لا تلبث أن تنبثق من جبل جسدها و قلبها ، لتلك النشوة المستبدة التي تخفق بين ما يتحرك في قلبها و عقلها و بين يديها .

أسأل أمي :” كم كأس طحين تستخدمين ؟” فلا تعرف ، تقول :” على البركة “. و تكاد تكون كل أجوبتها عن أكثر الأسئلة دقة ، تنتهي بنفس الصيغة .

من الظلم أن نطلب من محبٍّ أن يكون دقيقاً و لا مُقتصِداً ، لأننا نكون كمن يطلب من وردة أقحوان أن تقف في وجه فيضان .
الأنوثة هي أن تطلب غصن ريحان ، فتغمرك الحدائق .

أما لماذا لا أضع بنفسي ما أرغب من كمية للطعام ، و لا أعرّض نفسي لكل ذلك ، فأنا لا أعرف تماماً ، لكنني أظن أنني على هذه الأرض لأقيس ما لا يمكن قياسه ، و لا التنبؤ به ، و هو الأنوثة .
أنا أقيس كل يوم أنوثة الكون حولي ، عن طريقة علبة زجاج صغيرة بغطاء أخضر .

د. رفيف المهنا
صباحكم حب ❤️


(سماعة حكيم)



2 تعليقان

  1. الله لا يحرمكون من بعض
    محبة دايمة للابد ان شاءالله

  2. Almhana Rafif